بين الطوارئ والجهاد – عودة الجمود وتأجيل المشروع التنويري

عندما نشاهد الوضع العربي اليوم بعد ما يقرب من ٣ أعوام من الإنتفاضة والحروب والثورات (المسروقة وغير المكتملة) نجد للأسف أن الجمود الايديولوجي عم المجتمعات في المنطقة. بصيغة أخرى، يحتل كل من الحكم العسكري–بما فيه من خصائص قومية معادية لحريات الشعب والإسلام السياسي على حد سواء–والتطرف الديني–بما فيه من عمليات ارهابية ضد شعب أعزل وتموينه الخارجي–مكاناً أوسع اليوم. وبدلاً من تقليل حدتهما، جعلت الانتفاضات ترسخ الصراع الدامي بين التوجيهين–أي الحكم العسكري والحركات الإسلامية المتشددة. أمضى المفكر الرحيل نصر حامد أبو زيد أوقاته يحذرنا من اللحظة اللتي نعيشها الآن، يحذرنا من خطارة الإستقتطاب ثم الجمود–من سلطة الدولة وسلطة النص، من الطائفية، من خبل المؤيدين والمعارضين، من حالة الطوارئ والجهاد!

هل يمكن بعد تجديد شوكة الجمود أن تنشأ حركة تنويرية؟

g

يستشهد الدكتور أبو زيد من التاريخ ويقول،

“وقد أدي التوحيد بين سلطة النص الديني وسلطة النظام السياسي إلى نتائج خطيرة على مستوي آليات العقل العربي المسلم في إنتاج المعرفة ، حيث أصبحت النصوص الدينية الإطار المرجعي الأول والأخير بالنسبة لكل القوي الاجتماعية والسياسية ، هذا من جهة . ومن جهة أخري ظل تأويل النصوص يدور دائماً وعين المفكر وعقله على اتجاه السلطة السياسية ، تأييداً أو معارضة ، وبذلك انحصرت حركة العقل بين قطبين أحدهما النص الديني ، وثانيهما السلطة السياسية . ومثل هذا الحصر ، أو بالأحري السجن ، يؤدي لا إلى جعل النشاط العقلي نشاطاً هامشياً فحسب ، بل يجعله نشاطاً تبريرياً من الدرجة الأولي وحين يمارس المثقف / المفكر فعالية التفكير وعينه على السلطة السياسية مؤيداً لها ، فإنه يتجاوز التبريرية إلى التواطئية . وبعبارة أخري تبدو التبريرية لصيقة الصلة بمحاولة المفكر إيجاد مرجعية دينية نصية لمواقفه الفكرية ، حيث تتميع أصالة الموقف لحساب الثبات الأيديولوچي الراسخ للنصوص الدينية . وحين تضاف إلى هذه التبريرية الانتماء الأيديولوچي لموقف السلطة ، يتحول الموقف إلى التواطئية .ونستطيع أن نضرب أمثلة كثيرة من تاريخنا الثقافي القديم والحديث لكشف بعدى التبريرية والتواطئية في بنية العقل العربي ، ونعني بالتحديد العقل السائد والمسيطر . ولعل في أحداث الخليج وما كشف عنه ما يقف شاهداً معاصراً حياً على تلك البنية المسيطرة والسائدة

— نصر حامد أبو زيد، الخطاب والتأويل

ويقول أيضاً

“إذا كان المعتزلة قد مَثّلوا الفكر التنويري في الإسلام، فذلك لأنهم حاولوا تلبية الحاجات الجديدة التي نشأت عن الابتعاد عن لحظة صدور الوحي، والإجابة على التساؤلات الناجمة عن علاقة الوحي بالواقع المستجد، وبالتالي أسّسوا لدراسة العلاقة بين الخطاب الإلهي والخطاب الإنساني من خلال الفكر الإسلامي في ظروف تاريخية تتغيَّر، فأقاموا النقل على أساس العقل وأنجزوا بذلك عقلنة الوحي، تلك المهمة التي كان على أوروبا أن تنتظر حتى القرن الثامن عشر لتحقيقها. وإذا كان المعتزلة قد ارتكبوا خطأ محاولة فرض الفكر الاعتزالي بالقوة، مما أدى بعد هزيمتهم إلى تصفية الاعتزال ، فإن سيطرة أي اتجاه وفرض فكرة لا يؤدي إلا إلى مزيد من الجمود والجهل مهما اعتبر هذا الاتجاه نفسه على صواب وظنَّ أنه إنما يمثل ما يرجوه الخطاب الإلهي، فهذا الخطاب موجه للبشر، والبشر يعيشون في زمان ومكان، أي في شروط متغيرة، تتطلب منا بشكل دائم البحث في علاقة هذين الخطابين ببعضهما البعض. وهذا الكتاب يأتي ليدرس هذه العلاقة بين الخطاب الإلهي والخطاب الإنساني في إطار الفكر الإسلامي، ولا سيما الفكر الاعتزالي، من خلال مفاهيم لغوية فكرية كالتمثيل والتشبيه والمجاز والتأويل”

— نصر حامد أبو زيد، الإتجاه العقلي في التفسير

Leave a comment